اليمن .. سنة سابعة حرب .. ما وراء ذلك..؟
يمنات
صلاح السقلدي
بعد أيام قليلة تُطِــلُّ الحربُ باليمن التي اعلنت عنها المملكة العربية السعودية مِــن واشنطن في مارس/آذار 2015م باسم عاصفة الحزم بدعوى إعادة الحكومة الشرعية الى سُدّة الحُــكم بصنعاء برأسها على عامها السابع دون أن تلوح بالأفقِ أية مؤشرات حقيقة و جادة لتوقفها أو لحسمها عسكريا لمصلحة طرف مِــن أطراف الصراع برغم طولة مدتها و حجم الخسائر البشرية المروعة و الدمار الهائل الذي يأتي على كل شيء في البُــنية التحتية و الاقتصاد و يطال مُــجمل الصُعد، و ضربَتْ (الحرب) النسيج الاجتماعي في الصميمِ في بلدٍ هو في الأصل مُــنهكُ الحال ممزق الأوصال إلى حدٍ كبير … فهذه الحرب أتتْ مِــن رحمِ إرهاصات و متغيرات سياسية و فكرية حادّة شهدتها اليمن و المنطقة العربية خلال الربع قرن الماضي، و تحديداً بعد حرب 1994م التي أطاحت بالمشروع الوحدوي الطموح بين دولتيّ اليمن الشمالي و الجنوبي عام 1990م .. ففي ذروة الصراع الذي نشبَ بين حزب التجمع اليمني للإصلاح “ذو التوجه الإسلامي” و حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة رئيسه و رئيس الدولة حينها الراحل علي عبد الله صالح بعد أن أخــرَجَ هذا الأخير حزب الإصلاح مِــن السُــلطة على إثر خسارة الحزب للانتخابات النيابية عام 1997م عمَـدَ صالح للتقرب من جماعة الحوثيين -شمالي البلاد – التي كانت في طور التشكّل، و ذلك لكسب ودهم ومواقفهم في معركته السياسية مع حزب الإصلاح مستفيدا من الخلاف الايدلوجي العميق بينهم و بين حزب الإصلاح المحسوب على حركة الإخوان المسلمين الدولية، و مشجعا حينها ما كانَ يُـــعرف بتيار “حركة الشباب المؤمن” التي شكّــلت نواة الحركة الحوثية “أنصار الله”، و كان لصالحٍ ما أراد بأن قـــوّض الى درجة كبيرة حضور ذلك الحزب بمناطق أقصى الشمال و كسبَ دوائر انتخابية برلمانية برموز حوثية كبيرة، و لكن الأمور سرعان ما انقلبت بوجه صالح في علاقته بالحوثيين بعد أن عزز علاقاته العسكرية و الأمنية مع أمريكا التي يرى فيها الحوثيون شرا مستطار على اليمن و على المنطقة العربية (الشيطان الأكبر)، و بعد أن زاد صالح من وتيرة التنسيق الأمني مع السعودية “الخصم القادم للحوثيين”، فضلا عن توسع نشاط الجماعات السلفية المتشددة في المناطق التاريخية الحصينة للفكر الزيدي الذي تنتمي له حركة أنصار الله الحوثية، هذا النشاط الذي كان يجري بدعم السعودية و حزب الاصلاح و برعاية و رضاء من سُـــلطة الرئيس السابق صالح، على الرغم من التباين النسبي بين الفكر السلفي و الإخواني إلّا أن معاداة الحوثية كان الجامع بينهما.
كل هذه التطورات شكّــلتْ إرهاصات الحروب الستة التي شهدتها تلك المناطق بين الحركة الحوثية التي كان عودها قد قوي و اشتدت صلابته و بين الجيش النظامي اليمني بقيادة صالح … و في خصم تلك الحروب التي اندلعت أولها عام 2004م انتهز حزب الاصلاح كعادته الفرصة لإضعاف الجيش النظامي الذي كان يدين بولائه الاكبر للرئيس صالح و لإسقاط النظام برمته و العودة الى الحكم، حيث قدّمَ الاصلاح نفسه حمامة سلام بتلك الحروب مُوظِفا موقف المعارضة المعروف باسم أحزاب اللقاء المشترك التي كانت تتوعد صالح بهزيمة بالدورة الانتخابية الرئاسية و النيابية التي لم تتم بعد ذلك بسبب حدة الازمة السياسية و مؤشرات الربيع العربي, و التي تضم أعني المعارضة الى جانب الإصلاح الحزب الاشتراكي وعدة أحزاب ناصرية و بعثية و غيرها من التنظيمات المعارِضة الصغيرة التي هيمن عليها الإصلاح بشكل مطلق و جيّــر مواقفها لمصلحته أبّان تلك الحروب و ما قبلها و بعدها.
حتى إذا ما أتى عام2011م لتندلع ثورة الربيع العربي بالمنطقة العربية و منها اليمن لم يجد حزب الاصلاح غضاضة من أن يتحالف علناً مع الحوثيين بل و حثّــهم و دعمهم إعلاميا على هذا التحالف بقوة لتشكيل جبهة معارضة ثورية عريضة لتغيير النظام، و كانت النتيجة مريحة للإصلاح و لحلفائه بإسقاط صالح من رأس هرم الحكم برغم ابقاء منظومة حكمه قائمة نوعاً ما، على رغم الخلاف الفكري المتصادم بين الطرفين أعني الحوثيين و الإصلاح الذي ظل هذا الأخير يدعم علنا كل الجماعات الجهادية و منها السلفية ضد الحوثيين كحركة الداعية الشهير مقبل الوادعي في معاقل الزيدية، برغم تعاطف الحزب الشكلي مع الحركة الحوثية في الحروب الستة التي شنها ضدها صالح، و لكن ما لبثت التحالفات تتبدل ثانية بين هذه القوى مجتمعة، فبمجرد تشكيل الحكومة الوليدة التي ضمت أحزاب و قوى كانت خارج السلطة و منها الحركة الحوثية القادمة الى المشهد بقوة و التي تشكلت (الحكومة) إنفاذا للمبادرة الخليجية التي أتت بها السعودية لإنقاذ نظام صالح من السقوط و لقطع الطريق أمام حزب الإصلاح “ذراع الإخوان باليمن” من الوصول للسلطة سرعان ما دَبَّ الخلاف المؤجل بين الطرفين: الاصلاح و الحوثيين، داخل الحكومة الجديدة و تفاقمت الأوضاع عسكريا بشكل دراماتيكي لمصلحة الحركة الحوثية الصاعدة المنضبطة التي شرعت بإسقاط المناطق و المعسكرات من اقصى الشمال وصولا الى صنعاء الواحدة تلو الأخرى كمرحلة أولى قبل ان تتجه جنوبا فيما بعد.
استمرت الاوضاع تأخذ مسارها العسكري المحتدم لمصلحة الحوثيين الذين وجدوا الحظ يبتسم لهم من كل الجهات و الجبهات المحلية و الاقليمية، و منها حزب صالح و قواته الضاربة التي كان الرئيس هادي الواصل لتوه للحكم قد بدأ بهيكلتها أو بالأحرى بتفكيكها و بتدميرها بتشجيع و رغبة جامحة من حزب الاصلاح، حيث وضع صالح كل قواته المتاحة تحت تصرف الحركة الحوثية نكاية و انتقاما من مواقف حزب الإصلاح الذي رأى فيه صالح أنه كان رأس الحربة بتلك الثورة، و مدشنا (صالح) بذلك مرحلة جديدة من مسلسل التحالفات و الاختلافات التي كانت سِــمة تلك السنوات و ما بعدها، بتحالف الضرورة أبرمه مع الحركة الحوثية لمواجهة نفس الخصم القديم الجديد “الاصلاح، إخوان اليمن” الذي كان قد أحكم قبضته على مفاصل الحكومة المُشكّــلة حديثا وعلى كل المؤسسات الأخرى بعد أن ارتخت قبضة حزب صالح الى حد كبير .. واصل الحوثيون تقدمهم الحثيث حتى بلوغ العاصمة صنعاء مرورا بعمران، مستفيدين بالوقت عينه من مواقف وزير الدفاع في ذلك الوقت/اللواء محمد ناصر أحمد (جنوبي الانتماء) المُــقرّب مِــن الرئيس الجديد منصور هادي الذي كان (الوزير ناصر) خير معين للحركة الحوثية، بل و استطاع أن يجيّـــر الى حدٍ كبير موقف الجيش لمصلحتها – أو على أقلها وضع جزء منه على الحياد-، و هو مبلغ ما تمناه الحوثيون من الجيش في تلك الظروف، فلم يكن ينقصهم السلاح و العتاد و لا الإقدام و الخبرة القتالية بقدر ما كانوا بمسيس الحاجة الى أن يلتزم خصومهم بالداخل الصمت و الحياد كما فعلت وحدات كثيرة بالجيش و الرئيس الضعيف هادي، و يلتزم الخصوم الإقليميين الصمت المطبق كما فعلت السعودية العدو اللدود للحركة الحوثية الزيدية، بعد أن شاركت المملكة نظام صالح مشاركة فاعلة في حروبه الستة في صعدة شمالي البلاد منذ عام 2004م. هذا الصمت السعودي كان يخفي خلفه نوايا و آمال، سنتعرض لها لاحقا.
فموقف وزير الدفاع هو نفس الموقف المتودد الذي تبناه الرئيس هادي نفسه مع الحوثيين، و قد تجلى هذا بوضوح في تعاطي الرُجلان المتهاون مع الحوثيين في الأحداث العسكرية الدراماتيكية في محافظة عمران المعقل الرئيس لقبيلة حاشد الموالية للإصلاح على التخوم الشمالية لصنعاء بتنسيق مع قوات الرئيس المنصرف صالح و بالذات قوات الحرس الجمهوري أو ما تبقى منها بعد عملية الاستهداف التي طالها من قبل العهد الجديد باسم الهيكلة، حيث اعتبر هادي من موقع الضعف سيطرة الحوثيين على عمران و عاصمتها و معسكرها الرئيس هناك بأنها تمثل عودة لهذه المحافظة المهمة الى حضن الدولة بحسب تعبيره الشهير: (لقد عادت عمران الى حضن الدولة)، و هو الموقف الذي وضَعَ هادي نفسه بمواجه مباشرة دون أن يعرف مع حزب الإصلاح الذي أضمر الضغينة لهادي، قبل أن تتمكن السعودية لاحقاً من جمعهما تحت مظلة واحدة اسمها عاصفة الحزم بمواجهة الحوثيين و حلفيهما الجديد صالح.
و حين أصبحَ الحوثيون على أبواب صنعاء كانت السعودية الموجوعة بشدة من الموقف الصادم لحليفها التاريخي “حزب الإصلاح و رموزه القبليين في قبيلة حاشد” المؤيد لثورات الربيع العربي و المزهو حينها بفرحة نصر وصول الحركة الإخوانية الى سدة الحكم في مصر تُــرقب المشهد المتشكّــل بصمتٍ مشوبٌ بالأمل المرجو، الأمل بأن يحدث صدامٌ عسكري بين خصميها اللدودين: الحوثية و الإخوان، الإخوان ممثلة بحزب الإصلاح الحليف المتمرد لتوه على الطاعة و الولاء التاريخي للسعودية، و ذلك لإنهاكهما عسكريا ببعضهما بعض و من ثم يتسنى لها التدخل من جديد في الشأن اليمني لفرض تشكيلة حكم جديدة موالية لها يكون رموز نظام صالح عماد ذلك الوضع المرجو قبل أن تكتشف لاحقا الخيبة الكبرى بتحالف صالح مع الحوثيين – هكذا كانت الرياض تتوخى أن تسير الأمور-، و لكن الإصلاح بدهائه السياسي الكبير أدرك المكيدة السعودية (مكيدة الصدام مع الحوثيين التي توقعتها السعودية)، و آثر بذلك السلامة و الاستسلام للحوثيين، و هو يردد شعاره المعروف: لن ننجر، لن ندمر عاصمتنا. لتجد السعودية نفسها و قد أضحت ضحية مخططها الموءود، تستبد بها حالة من الذهول و الخيبة مما آلتْ إليه الأمور باليمن, فالصدام المنتظر بين الحوثيين و الإصلاح لم يحدث، بل عوضا عن ذلك صار الحوثيون يبسطون جناحيّ حركتهم الصاعدة على طول الشمال اليمني و عرضه، مما يعني هذا للمملكة أن الخصم الإقليمي الكبير” إيران” على وشك أن يطرق بوابتها الجنوبية، بل و يحكم سيطرته على باب المندب و السواحل الجنوبية اليمنية على بحر العرب بواسطة الحركة الموالية لها و حليفها صالح ، فضلا عن سيطرتها “إيران” المتوقعة على مدينة عدن و مينائها الحيوي غربا حتى المهرة شرقا.
– السعودية و صداقة عدو ما مـن صداقته بدُ .. و على وقع الأحداث و التطورات المُــقلقة لها لم تجد السعودية بُــدٌ مما ليس منه بدُّ من أن تتحالف مع حزب الإصلاح، و لسان حالها ينشد بمرارة قول الشاعر أبو الطيب المتنبي: (ومِــن نكد الدنيا على الحُــر أن يرى × عدواً له ما من صداقته بدُ)، و من استجدائها الحزب لكسب موقفه العسكري و السياسي و القبلي و الديني ليكون حليفها في المرحلة العصيبة القادمة في مواجهة الحوثيين الداخلين لتــوّهم بحلف مع قوات الرئيس صالح، و لمواجهة الوجود الإيراني “المفترض” باليمن .. و هنا كانت السعودية تنسج فصل جديد من تاريخ اليمن الدامي تحت راية اسمها عاصفة الحزم كغطاء لإعادة الشرعية الى صنعاء، مُـــنتهزة (الرياض) بذلك الفرصة ليس لإعادة الحكومة المُـــعترف بها دوليا و الرئيس هادي الى فوق كراسي السلطة في صنعاء كما اُعلنت السعودية ذلك عشيّـة إعلانها الحرب من واشنطن على لسان سفيرها في ذلك الحين السيد عادل الجبير، بل لإعادة فرض النفوذ السعودي باليمن أولاً، و القضاء على الحوثيين – أو أضعافهم- و قطع الطريق على إيران باليمن ثانياً، و بالفعل حققت الرياض هدفها الأول و هو إعادة جزء من بسط نفوذها و هيمنتها على اليمن من جديد لا سيما في الجنوب، و أخفقت تماما بالثاني و هو إعادة هادي و حكومته الى صنعاء، فبالكاد أعادتْ جُــزءاً منها الى عدن دون الرئيس هادي. كما أنها لم تقوى على كبح جماح الحركة الحوثية و لا قطع يد إيران المزعومة، بل على العكس فقد زادتْ هذه الحركة من تشديد قبضيها على شمالي البلاد و استطاعت أن تستقطب قطاع واسع من الشعب هناك مستثمرة السخط الشعبي من التصرفات السعودية و الإماراتية التي يصفها الحوثيون بدول العدوان، كما ضاعفت (الحركة الحوثية) من قدراتها العسكرية و من خبراتها القتالية، و من تطوير اسلحة نوعية بإمكانيات بسيطة كالصواريخ البالستية و الطيران المسيّــر الذي استطاع ان يغيّـر مجرى الحرب بشكل لافت و يضع السعودي في دائرة الإحراج أمام الداخل و الخارج، ربما مستفيدة هذه الحركة من عمليات تهريب لقطع غيار اسلحة و معدات عبر البحر و البر، مستغلة رخاوة و افتقار التحالف للخبرة بهذا المضمار.
و في شهرنا هذا مارس/آذار، و الحرب تطل برأسها على العام السابع تتبدأ الحقائق للسعودية أكثر و أكثر .. فبرغم الأهداف و الأطماع التي حققتها على الأرض في اليمن خصوصا في الجنوب و برغم تدمير كل القوة العسكرية اليمنية التي كانت تشكل كابوسا لها على مر عقود مضت، و أجهزتْ على كل البُـنية التحتية لليمن و أعادت الوضع العام فيه على كل الصُــعد الى العصور الوسطى إلّا أنها أي السعودية تجد نفسها تغوص في رمال يمنية متحركة عميقة و ملتهبة، تتلمس على إثر ذلك الخروج و الفكاك من هذه الربقة المُـحكمة، بعد أن اكتشفت أنها اتخذت قرار حربها على قاعدة بيانات خاطئة، و أساءت تقدير قوة الخصم “الحوثيين” و بالغتْ كثيرا في ولاء الشركاء المحليين “حزب الإصلاح” الذي انتهج تجاه السعودية و التحالف نهج المتذاكي، تماما كما انتهجتْ السعودية نفس التذاكي و الحذلقة تجاهه، فكل منهما ظل يعتقد أن بمقدوره أن يستخدم الآخر و يستغفله لتحقيق غايته من هذه الحرب. فالسعودية اعتقدت أن بوسعها أن تتخذ من حزب الإصلاح و باقي القوى بمَـن فيها القوى الجنوبية جسر عبور للوصول الى صنعاء و هزيمة الحوثيين و اعادة اليمن الى سابق عهدها (حديقة خلفية للمملكة) و من ثم ستدير للإصلاح و للقوى الحليفة الأخرى من الجنوبيين ظهر المجن. و الإصلاح من جانبه اعتقد أن بوسعه استغلال الوجود السعودي و عاصفته الحزمية لهزيمة الحوثيين و العودة الى سُــدة الحكم بصنعاء قبل أن يكتشف هو الآخر أنه يحرث في بحر الوهم، و كذا راهن الجنوبيون على الموقف السعودي بطرد القوى الشمالية من الجنوب لإعلان الدولة الجنوبية المنشودة، و لكنهم كغيرهم اكتشفوا الخيبة بكل مرارتها، فالسعودية التي راهنوا على موقفهم بشد أزرهم و استعادة دولتهم هي بنفسها بحاجة الى من يحمي جنوبها من الهجمات و الغارات البرية الخاطفة المتلاحقة التي ينفذها الحوثيون بشكل شبه يومي، فضلا عن هجماتهم الجوية المتواصلة على مدن و مصالح استراتيجية في جنوب المملكة الذي يتوجع بصمت منذ ستة أعوام وحتى كتابة هذه السطور..!
– اليوم الجميع – و أولهم السعودية التي باتت وحيدة تواجه مصيرها باليمن باسم التحالف بعد أن تركتها الإمارات مغاضبة قبل عام و نصف، و انسحبت من مسرح العمليات العسكرية و الإبقاء على مشاركتها السياسية الرمزية بهذا التحالف-، يتلمسون طرق الخروج من هذه الورطة، بعد ان استحال أمامهم جميعا تحقيق ما تمنونه، و بعد أن أضحى حُــلم الحسم العسكري و هزيمة الحركة الحوثية سرابٌ بقيعة، فهذه الأخيرة لم تحافظ فقط على قوتها العسكرية أمام العاصفة العاتية و أمام العُــزلة السياسية الدولية القاسية بل استطاعت أن تنتقل و بشكل مذهل من موقع الدفاع و الضعف الى موقف الهجوم و المبادر، ففي الآونة الأخيرة لا يكاد يمر يومٌ دون أن تطال المدن و القرى و المنشآت السعودية هجمات الطائرات المسيّــرة و الصواريخ الحوثية، و هو الأمر الذي أحدثَ حالة من القنوط و اليأس لدى المملكة في وقت تكشّــر فيه واشطن أنيابها بوجهها على خلفية حسابات حقوقية و مآخذ أمريكية على طبيعة نظام الحكم السعودي التعسفي الذي ترى فيه واشنطن بأنه أمعن بممارسة القمع و الانتهاكات الداخلية بضراوة، و في ظل يتفاقم فيه الوضع الإنساني باليمن و تتعالي الأصوات الحقوقية الساخطة على هكذا وضع و على تزايد عدد ضحايا الغارات الجوية.
معركة مأرب أخر فصول الحرب
قالَ المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قبل يومين أن على الحوثيين الاقتداء برغبة السعودية و حكومة الرئيس هادي بوقف الحرب. فواشنطن تدرك اليوم – و على وقع المعارك المحتدمة على مشارفة مدينة مأرب جنوب شرق صنعاء و التي تهدد “المعارك” بسقوط آخر معاقل الحكومة أن السعودية و معها هذه الحكومة باتتا يتمنيان وقف الحرب بأسرع وقت ممكن قبل أن تُـحل الكارثة و تسقط مأرب المدينة و تمضي الأمور باتجاه مزيد من التعقيد. و لهذا نرى الرياض تدفع بكل ثقلها لدى أمريكا و الغرب و مجلس الأمن للتدخل للضغط على الحوثيين لوقف هجومهم و الانصياع لأصوات التسوية و السلام، ما يعني هذا أن معركة مأرب هي آخر معارك هذه الحرب سواءً بسقوط المدينة أو بدون ذلك، فكل الظروف الداخلية و الدولية و الإقليمية تشير الى هكذا توقع، و ما استعار المعارك على هذا النحو من الضراوة إلا محاولة أخيرة لكل طرف بتحسين وضعه على طاولة التفاوض القادمة و بالذات الحوثيين، الذين يشنون هجومهم هذا بالتوازي مع حوارات مباشرة و غير مباشرة يقومون بها مع التحالف و أمريكا بوساطة عُـمانية، أبرز هذه الحوارات ما أفصح عنها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء الماضي بعد اسابيع من تأكيد واشنطن بأنها تجري حوارات عبر قنوات خلفية مع الحوثيين الذي يحجمون عن الإقرار بهذه الحوارات قبل أن يعترفوا بها مؤخرا على لسان رئيس وفدهم التفاوضي محمد عبد السلام الذي اكد على حوارات غير مباشرة مع أمريكا عبر الوسيط العماني، في ظل نشاط محموم للمبعوث الأمريكي الى اليمن بالتنسيق مع الجهود الأممي بهذا الشأن.
زادت الهجمات الجوية المكثفة التي يقوم بها الحوثيون في عمق الأراضي السعودية من رغبة هذه الأخيرة بوضع نهاية لهذه الدوامة التي وجدتْ المملكة نفسها دائخة وسطها، فيوم الأحد الماضي 7 مارس/آذار الجاري تعرضت عدة مناطق سعودية لأكبر و أعنف هجوم حوثي جوي منذ اندلاع هذه الحرب بواسطة 14 طائرة مسيّــرة و ستة صواريخ بالستية أصابت عددا من المنشآت الحيوية بحسب مصادر حوثية و سعودية أبرزها ميناء تنورة شرق المملكة على ساحل الخليج العربي، و أهداف و مناطق متفرقة جلبت الهلع لدى كثير من السكان. فالمملكة لم تعد تتحمل هذا النزيف المادي و المالي، فضلاً عن إهدار سمعة الجيش السعودي و مكانة و هيبة السعودية و رمزيتها السياسية أمام جماعة مسلحة محدودة التسليح و الإمكانيات تقبع منذ ستة أعوام في حصار مالي و عسكري و اقتصادي مطبق، و عزلة سياسية دولية خانقة.
المصدر: رأي اليوم
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.